استيراد الدواء يتحكّم بالسوق رغم توفّر المصانع
يضم قطاع الأدوية في لبنان 11 مصنعاً، تسعة منها لتصنيع الأدوية واثنين متخصصين في صناعة الأمصال والحقن التي تُستخدم في المستشفيات، ويؤمنان منذ سنين كامل حاجة السوق من الأمصال. وتؤمن هذه المصانع 1161 دواء مصّنعاً محلياً خاصاً بالمصنع أو بإجازة Under License من أهم المختبرات العالمية: أوروبية –أميركية، والتي نقلت التكنولوجيا خاصتها إلى لبنان، فيما البعض منها اتخذ من المصانع اللبنانية مركزاً للتصنيع والتصدير إلى دول المنطقة.
وتتمحور غالبية هذه المستحضرات ضمن أهم 20 فئة علاجية دوائية المتصلة بالأمراض الأساسيىة والمزمنة: أدوية قلب، ضغط، سكري، وبعض الأمراض السرطانية.
فرص عمل واسثمارات ضخمة
يشرح مستشار وزير الصحة في لبنان، الدكتور رياض فضل الله، لـ “أحوال” واقع الصناعة الدوائية في لبنان، ويقول:” إنّها تؤمّن أكثر من 2500 فرصة عمل مباشرة للأخصائيين من أطباء وصيادلة وكيميائيين وتقنيين ومهندسين وعمّال من كافة شرائح المجتمع؛ كما تؤمن أكثر من 5000 فرصة عمل غير مباشرة في القطاعات المتصلة بالصناعة.” ويضيف، إنّ مصانع الأدوية اللبنانية قامت باستثمارات ضخمة، فاقت النصف مليار دولار كأصول ثابتة، وذلك سواءً على مستوى البنية التحتية أو التقنية والتكنولوجية وفق المعايير العالمية لصناعة الأدوية؛ وهي تعمل وفقًا لأسس ومعايير الجودة العالمية وتخضع لرقابة مستمرة من وزارة الصحة العامة ولرقابة السلطات الصحية في دول التصدير، وللرقابة الدورية من قبل الشركات العالمية التي تصنع لديها محلياً بإجازة under license ويبلغ عددها 36 شركة.”
الغلبة للدواء المستورد
هذه المؤشرات ينطلق منها مستشار وزير الصحة ليؤكد على قدرة الصناعة الوطنية وطاقتها المتاحة .”على ضوء هذا الوقع، يمكننا التأكيد على قدرة الصناعة الوطنية على أن تحل مكان مثيلاتها المستوردة التي تنافسها ضمن شريحة الأدوية والتي تؤمنها الصناعة اللبنانية وبكلفة أقل”.
فعلى سبيل المثال، خلال العام 2019 بلغ حجم استهلاك الأدوية الإجمالي حوالى مليار و740 مليون دولار (سعر مبيع للعموم)، بلغت منها حصة الأدوية المستوردة 80% مقابل حصة الصناعة المحلية المقدّرة بنحو 20 في المئة من السوق، والموزّعة بنسبة 7 في المئة فقط كأدوية خاصة بالمصانع غالبيتها “جنريك”، و13 في المئة أدوية under license أي لديها إجازة تصنيع للمختبرات العالمية التي تصّنع في لبنان”. ويتابع، لا بد من الإعتراف بأنّ هذه النسبة هي نسبة خجولة مقارنة مع دول المنطقة، بحيث تصل إلى 40 % في الأردن، و 31 % في السعودية و 54% في مصر.
التوازن والتكامل بين الاستيراد والتصدير
ويوضح مستشار وزير الصحة، لدى الصناعة المحلية طاقة متاحة لزيادة إنتاجها كما وحصتها في السوق، وتأمين وفر على قيمة العملات الصعبة التي تخرج من لبنان مقابل الاستيراد، وهي وفّرت على قيمة الدعم المؤمن من مصرف لبنان. ويبلغ حسب الدراسات، ثلثي قيمة العملات المصدرة إلى الخارج لتأمين العلاج المستورد نفسه. وهذا الرقم أساسي اليوم، ومن الضروري أن يُبنى عليه في هذه الأزمة مما يسمح من خلال الصناعة الدوائية اللبنانية من تأمين أكثر الأدوية الأساسية المستهلكة لفترة زمنية أطول للمواطن اللبناني. ويبقى من الضروري تأمين شريحة كبيرة من الأدوية التي لا تصّنع محلياً، عبر الاستيراد؛ وبذلك وعبر التوازن والتكامل بين الاستيراد والصناعة اللبنانية، نؤمن الأدوية للمواطن لفترة أطول وهذا أساسي اليوم.
مشروع استراتيجي
مستشار وزير الصحة شدّد على ضرورة أن تكون الصناعة الدوائية في لبنان من ضمن استراتيجيات وسياسات تضعها الدولة، وذلك مقارنة بالدول الأخرى، وإعطائها حوافز مالية وضرائبية وتسريع في التسجيل، لكي يتسنى لها توسيع محفظة الأدوية وتأمين شريحة أوسع من الأدوية المطلوبة، كما واعتماد هذه الأدوية من الأطباء ومن قبل الجهات الضامنة. ويتابع، إنّ الدواء المستورد مثلاً يدخل إلى لبنان ويُعفى من الضريبة على القيمة المضافة، في حين أنّ المصانع المحلية تدفع هذه الضريبة على المواد الأولية مما ينعكس سلباً على قدرتها التنافسية واستمراريتها، بالرغم من أنّها تقوم باستردادها بعد فترة فيما ذلك يؤثر سلباً على التدفقات النقدية خاصتها.
المعاملة بالمثل
مستشار وزير الصحة دعا أيضاً إلى ضرورة تطبيق المعاملة بالمثل مع كافة الدول لجهة التسجيل والاستيراد، خاصة تلك التي تضع عراقيل تقنية وقانونية أمام تصدير الدواء اللبناني. “في هذه المرحلة الدقيقة، يقوم مصرف لبنان بدعم الأدوية اللبنانية؛ لكن يقتصر هذا الدعم بنسبة 85% ويقتصر على المواد الأولية ومواد التوضيب المستوردة لزوم هذه الصناعة. وتقوم المصانع بالمقابل بتأمين حاجتها من مواد التوضيب محلياً، كالكرتون والنشرات الداخلية ومواد الوقاية من ماسكات وقفازات وغيرها، ومواد أخرى مستوردة كالكواشف والمعايير وقطع الغيار، وكلّها بالعملات الصعبة وبسعر السوق غير المدعوم. فيغطي بذلك الدعم جزءاً فقط من كلفة الدواء اللبناني.
بالمقابل، فانّ المصرف يدعم الدواء المماثل المستورد بنسبة 85% على سعر الإستيراد أي على كامل كلفته. وبذلك، فإنّ عملية الدعم ليست متوازية بين الدواء اللبناني والمماثل المستورد. لذا “نتمنى أن يوفّر مصرف لبنان دعماً بنسبة 100% في المئة على التكلفة الاجمالية لكافة المواد لزوم الصناعة مع ضرورة تحرير فواتير المواد الأولية لزوم الصناعة بصورة وجيزة ليتسنى لها تأمين التصنيع دون انقطاع”. وأضاف:”إنّ مصانع الأدوية قادرة على رفع التغطية من 7 إلى 30% أو أكثر حتى، وهي ما زالت تستثمر لغاية اليوم وبدأت بالتصنيع ليلاً ونهارًا لتلبية حاجة السوق.
كلفة أقل وفراً على الخزينة
بدوره يشدد الخبير في الصناعة الدوائية جورج أبي راشد في حديثه لـ “أحوال” على أنّ الصناعة الدوائية في لبنان ليست جديدة، وهي تعود لفترة السبعينيات، وكانت متقدمة في محيطها، حيث كان هناك 16 مصنعاً ينتج أدوية مختلفة، تعطي حصة كبيرة للسوق اللبناني، وتصدّر إلى الاسواق المجاورة. وكان هذا القطاع يُعد الأهم في منطقة الشرق الاوسط، لكن غالبية هذه المصانع أُقفلت خلال الحرب الاهلية، وبعد انتهاء الحرب عاد بعضها للعمل.
الخبير أبي راشد يلفت أيضاً إلى أهمية الصناعة الدوائية في لبنان في المجالين الصحي والاقتصادي.”أذ أنّ جميع الإيردات الناتجة عنها تبقى في لبنان”. ويضيف، تدل الدراسات التي أُجريت إلى أنّ كلفة ألادوية المصنعة في لبنان أقل بنسبة 50% من كلفة الأدوية المستوردة وهذا أمر يمكن البناء عليه، وخاصة في هذه الظروف من خلال نشاط التصدير الذي تقوم به، والذي لا يزال محدوداً؛ إذ لا يتجاوز عدد الدول إلتي يصدّر إليها لبنان إنتاجه الدوائي إلى 10 دول، وذلك بسبب إجراءات الحماية التي تتخذها معظم الدول المصنعة للدواء لحماية أنتاجها المحلي.”
الأمن الدوائي
ويبقى التميّز الأهم في الصناعة الدوائية في لبنان هو قدرتها على إستقطاب عدد من المختبرات العالمية للتصنيع في لبنان، واتخاذ لبنان نقطة إنطلاق للتصدير إلى بعض دول المنطقة؛ الأمر الذي يعطي الصناعة الدوائية في لبنان قيمة مضافة.
ويدعو أبي راشد الحكومة اللبنانية إلى إطلاق خطة شاملة لدعم الصناعة المحلية، وذلك تحت عنوان الأمن الدوائي، والتي يكون دورها حماية الصحة العامة في حالات الإنتكاسات السياسية والإقتصادية إلتي تصيب الدول كما هو حاصل في لبنان اليوم؛ حيث تكاد تفلس الدولة وتعجز عن دفع عن فاتورة استيراد الدواء.
نبيل المقدم